الخميس، 24 أكتوبر 2019

: مفهوم العلم و المعرفة

مفهوم العلم والمعرفة

أولا : العلم و المعرفة لغة
وردت كلمة العلم في اللغة بمعاني كثيرة منها (الشُّعور ، الأثر والعلامة ، والسمنة ، وما يفصل بين الأرضين ... الخ ) و قالوا عنها: "سمي العلْمُ علمًا من العلامة، وهي الدلالة والإشارة، ومنه مَعَالم الأرض والثوب. والمَعلَمُ: الأثر يستدل به على الطريق،
والعلم نقيض الجهل ، وقال عنه الفيروزآبادي: هو حق المعرفة.

أمَّا المعرفة فهي من العُرف ضدَّ النكر، والعرفان خلاف الجهل ، وتَعَرَّفْتُ ما عند فلان، مصدره التعَرُّف: تَطَلُّب الشيء، وعرَّفه الأمر: أعلمه إياه، وعَرَّفه به، وسَمه، وجاء من المصدر "مَعْرِفة، على غير القياس؛ لفعله الذي هو على وزن "يَفْعِل"؛ إذ إنَّ أكثره يأتي على وزن "مَفْعَل".
وعند ابن فارس: المعرفة والعرفان من العلم بالشيء، يدلُّ على سكون إليه؛ لأنَّ من أنكر شيئًا توحَّش منه ونبا عنه .
وفي مادة عرف حروف "رفع"، ومن ثم كان هذا المعنى مناسبًا؛ حيث وردت كلمة "المعرفة"؛ لتدل على ما هو: "عالٍ، مكرم، وطيب "؛ إذ يقال للقوم إذا تلثَّموا: غطوا معارفهم، وتقول: بنو فلان غرُّ المعارف، وتقول: ما أطيبَ عَرْفَه! وهو الأنف وما والاه، وتطلق "معرفة" على أعراف الخيل؛ أي: على الشعر الذي يعلو رقاب الخيل، وقلة عرفاء: مرتفعة، واعْرَوْرَف البحر: ارتفعت أمواجه.

فالمعرفة حاصلة بعد عدم، وذاك العدم هو إمَّا لجهل أصليٍّ بالشيء، أو لنسيان بعد معرفة، فكان عدمًا بين معرفتين، فكأنَّ الشيء كان مختفيًا عن الذِّهن؛ ثم تجلى أمامه بارتفاعه وعلوه عن غيره من المدركات في تلك اللحظة، فصار مُمَيزًا وبينًا وواضحًا في الذِّهن بعد خفائه عنه لجهل أو لنسيان، فهو علا في صفحة الذِّهن بعد تستره وخفائه؛ إذ المعرفة عِلمٌ بعَيْن الشيء مُفَصَّلاً عما سواه؛ أي: يعلو في الإدراك، ويُميز عما يكتنفه من مُتشابهات، فيتميز المعلوم من غيره، وسر المسألة: أنَّ المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز.

وهكذا نلاحظ قربًا بين معنى العلم ومعنى المعرفة، ذلك أنَّ كلاًّ منهما يُعَدُّ علامة أو دلالة على شيء، وإن كانت المعرفة تدُلُّ على ما ارتفع من الشيء، والمعرفة فيها علم وعمل، وفيها ارتفاع لقدر المعروف على العارف، ومن ثم كانت معرفة الله تعالى كما تشمل في معانيها الاعتراف والإقرار.
ثانيا : العلم و المعرفة اصطلاحا :
العلم اصطلاحا: للعلماء عبارات مختلفة في تعريف العلم، ومما قالوا في ذلك:
• أنه الاعتقاد الجازم المطابق للواقع
• وقيل: المعنى الحقيقي للفظ العلم هو الإدراك، ويطلق على ثلاث معان بالاشتراك:أ- الإدراك، ب- الملكة المسماة بالعقل، جـ- المعلومات.
• وقيل : حصول صورة الشيء في العقل
• وقيل : معرفة الشيء على ما هو به
• جاء في المعجم الفلسفي أن العلم يقصد به المعرفة وإدراك الشيئ على ما هو عليه
وخلاصة هذه الأقوال: أن العلم هو إدراك الشيء المعلوم على ما هو عليه إدراكاً حقيقياً مطابقاً للواقع
المعرفة اصطلاحا : هي العلم بالشيء على حقيقته ،وتكون في الغالب مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم .وللعلماء عبارات مختلفة في بيان معنى المعرفة قريبة من تعريفهم للعلم إلا أن العلم يسبق بالجهل والمعرفة تسبق غالباً بنسيان أو غياب.
ونخلص أن المعرفة في الاصطلاح الفلسفي: فهي: ثمرة التقابل والاتصال بين ذات مدركة وموضوع مدرك. وتتميز عن باقي معطيات الشعور من حيث إنها تقوم في آن واحد على التقابل والاتحاد الوثيق بين هذين الطرفين. والمعرفة بهذا الشكل هي التي تحصل للذات العارفة بعد اتصالها بموضوع المعرفة،

وهناك فروقا بين العلم والمعرفة؛ فالمعرفة عند البعض أخص من العلم؛ لأنها عِلم بعَيْن الشيء مُفَصَّلاً عما سواه، وكل معرفة علم، وليس كل علم معرفة، وذلك أنَّ لفظ المعرفة يُفيد تمييز المعلوم من غيره، ولفظ العلم لا يفيد ذلك.
والمعرفة تقال فيما يُتَوصل إليه بتفكر وتدبر، وتستعمل فيما تدرك آثاره، ولا يدرك ذاته، والعلم يستعمل فيما يدرك ذاته تقول: عرفت الله، ولا تقول: علمت الله.
وقيل: العلم يكون بالاكتساب، ، والمعرفة بالجبلَّة، فهي إدراك جُزئي يَحصل بواسطة؛ لذلك يقال: عرفت الله، ولا يقال: علمت الله، فالعلم لما يدرك ذاته مع الإحاطة به.

وهناك من يقول بأن العلم أخصُّ من المعرفة؛ لأنَّها قبله؛ إذ تكون مع كل علم معرفة، وليس مع كل معرفة علم، إلى جانب تضمنها للخبرة العملية
العلم يقال لإدراك الكلي أو المركب، والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أو البسيط
والمعرفة تنصرف إلى ذات المسمَّى، أمَّا العلم فينصرف إلى أحواله.
كما أنَّ العلم يقابله في الضدِّ الجهل والهوى، أما المعرفة فهي ضد الإنكار والجحود.
ويمكن إبراز الفروق بين العلم والمعرفة فيما يلي :
١ - "المعرفة" تتعلق بذات الشيء؛ أي: مسماه، و"العلم" يتعلق بأحواله وصفاته، فتقول: عرفت أباك، وعلمته صالحًا عالمًا، ولذلك جاء الأمر في القرآن بالعلم دون المعرفة؛ كقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]
٢ - "المعرفة" في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه، أو تكون لما وصف له بصفات قامت في نفسه، فإذا رآه وعلم أنه الموصوف بها، قيل: عرفه. قال تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58]، وقال: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام: 20] لما كانت صفاته معلومة عندهم، لما رأوه عرفوه بتلك الصفات، فالمعرفة تشبه التذكر للشيء، وهو حضور ما كان غائبًا عن الذكر، ولهذا كان ضد المعرفة الإنكار، وضد العلم الجهل.
٣ - "المعرفة" تفيد تمييز المعروف عن غيره، و"العلم" يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره، وهذا الفرق غير الأول، فإنَّ ذاك يرجع إلى إدراك الذَّات، وهذا يرجع إلى تخليص الذَّات من غيرها، بتخليص صفاتها من صفات غيرها.
٤ - أنَّك إذا قلت: علمت زيدًا، لم يُفِدِ المخاطب شيئًا؛ لأنَّه ينتظر أن تخبره على أي حال علمته، فإذا قلت: كريمًا أو شجاعًا، حصلت له الفائدة، وإذا قلت: عرفت زيدًا، استفاد المخاطب أنك أثبته وميزته عن غيره، ولم يبقَ مُنتظِرًا لشيء آخر، وهذا الفرق في التحقيق إيضاح للفرق الذي قبله.
٥ - "المعرفة" علم بعين الشيء مُفصلاً عمَّا سواه، بخلاف "العلم"، فإنَّه قد يتعلق بالشيء مجملاً. فالمعرفة إحاطة بعين الشيء كما هو، وعلى هذا الحدِّ لا يُتصور أن يُعرف الله البتة، ويستحيلُ عليه هذا الباب بالكلية، فإنَّ الله - سبحانه - لا يُحاط به علمًا، ولا معرفة ولا رُؤية؛ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].
٦ - أكثر استعمالات المعرفة في القرآن كان في مقام الذم، كالجحود والإنكار والنِّفاق، وهذه المواقف لم تكن لما وصف أنَّه علم، بل لم يأمر الله - تعالى - نبيَّه بالدُّعاء له بالزيادة في شيء إلا في العلم؛ {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
٧ - المعلومات المتراكمة بالحافظة في أصلها تُسمى معارف ومعرفة، سواء كانت خبرة تجريبيَّة أم فكرية، فإذا رتبت ونظمت، وكانت على قواعد ونسق كانت علمًا، مثال ذلك: العرب تتكلم الفصحى أصالةً، لكن لا يسمى أحد منهم نحويًّا؛ حتى يدرك قوانين النحو وينظمها.
ثالثا : علاقة المعرفة بالعلم
أ- عند المعتزلة
يرى المعتزلة أن العلم والمعرفة مترادفان: إذ العلم بالنسبة للعباد تبيُّن وتحقُّق، وكلاهما يعني ذلك المعنى الذي يقتضى سكون نفس العالم إلى ما تناوله. وبذلك فإنه لا فرق بين المصطلحين، ولا بين فائدتيهما، ومن ثم يسمى كل عالم عارفاً.
ب ـ عند أهل السنة
يرى أهل السنة أنه وإن كان ثمة ترادف بين معنى: العلم والمعرفة، من حيث إن كلا منهما يعني إدراك الشيء على ما هو عليه. إلا أن ثمة تباينا بينهما من الوجوه التالية:
١_ المعرفة مسبوقة بجهل، أو إدراك مسبوق بجهل. وليس العلم كذلك ولذلك يقال للحق سبحانه وتعالى عالم، ولا يقال له عارف.
٢-  كما أن المعرفة قد يراد بها العلم الذي تسبقه غفلة، وليس العلم كذلك ومن ثم يسمى الله تعالى العليم وعالم الغيب وعلام الغيوب ولا يسمى عارفا.
٣_ تطلق المعرفة على إدراك البسيط، ويطلق العلم على إدراك المركب، فتقول: عرفت الله ولا تقول علمته.
٤_ تطلق المعرفة على ما يدرك بآثاره ولا تدرك ذاته. ويطلق العلم على ما تدرك ذاته. ولذلك يقال: عرفت الله، ولا يقال: علمته.
٥_ خلاف المعرفة الإنكار، وخلاف العلم الجهل. وذلك لأن في معنى المعرفة الاعتراف والإقرار.
٦-  وقيل: إن المعرفة تستعمل في التصورات، والعلم يستعمل في التصديقات. ولذلك تقول: عرفت الله ولا تقول علمته، لأن من شرط العلم أن يكون محيطاً بأحوال المعلوم إحاطة تامة. ومن أجل ذلك وصف الله تعالى نفسه بالعلم لا بالمعرفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق